الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (18): {كَذَّبَتْ عَادٌ} شروع في قصة أخرى ولم تعطف وكذا ما بعدها من القصص إشارة إلى أن كل قصة مستقلة في القصد والاتعاظ ولما لم يكن لقوم نوح اسم علم ذكروا بعنوان الإضافة ولما كان لقوم هود علم وهو {عاد} ذكروا به لأنه أبلغ في التعريف، والمراد كذبت عاد هودًا عليه السلام ولم يتعرض لكيفية تكذيبهم له عليه السلام روما للاختصار ومسارعة إلى بيان ما فيه الازدجار من العذاب، وقوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} لتوجيه قلوب السامعين نحو الإصغاء إلى ما يلقى إليهم قبل ذكره لا لتهويله وتعظيمه وتعجيبهم من حاله بعد بيانه كما قبله وما بعده كأنه قيل: {كَذَّبَتْ عَادٌ} فهل سمعتم، أو فاسمعوا كيف عذابي وإنذاري لهم، وقيل: هو للتهويل أيضًا لغرابة ما عذبوا به من الريح وانفراده بهذا النوع من العذاب، وفيه بحث وقوله تعالى: .تفسير الآية رقم (19): {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} استئناف لبيان ما أجمل أولا، والصرصر الباردة على ما روي عن ابن عباس. وقتادة. والضحاك، وقيل: شديدة الصوت وتمام الكلام قد مر في {فُصّلَتْ}. {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} شؤم عليهم {مُّسْتَمِرٌّ} ذلك الشؤم لأنهم بعد أن أهلكوا لم يزالوا معذبين في البرزخ حتى يدخلوا جهنم يوم القيامة، والمراد باليوم مطلق الزمان لقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت: 16]، وقوله سبحانه: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] والمشهور أنه يوم الأربعاء وكان آخر شوّال على معنى أن ابتداء إرسال الريح كان فيه فلا ينافي آيتي {فُصّلَتْ}. وجوز كون {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} صفة يوم أي في يوم استمر عليهم حتى أهلكهم، أو شمل كبيرهم وصغيرهم حتى لم تبق منهم نسمة على أن أن الاستمرار بحسب الزمان أو بحسب الأشخاص والأفراد لكن على الأول لابد من تجوز بإرادة استمرار نحسه، أو بجعل اليوم عنى مطلق الزمان لأن اليوم الواحد لم يستمر فتدبر، وجوز كون {مُّسْتَمِرٌّ} عنى محكم وكونه عنى شديد المرارة وهو مجاز عن بشاعته وشدة هو له إذ لا طعم له، وجوز كونه بدلًا، أو عطف بيان وهو كما ترى، وقرأ الحسن {يَوْمِ نَحْسٍ} بتنوين يوم وكسر حاء نحس، وجعله صفة ليوم فيتعين كون {مُّسْتَمِرٌّ} صفة ثانية له، وأيد بعضهم بالآية ما أخرجه وكيع في الغرر. وابن مردويه. والخطيب البغدادي عن ابن عباس مرفوعًا آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر وأخذ بذلك كثير من الناس فتطيروا منه وتركوا السعي لمصالحهم فيه ويقولون له: أربعاء لا تدور، وعليه قوله: وذلك مما لا ينبغي، والحديث المذكور في سنده مسلمة بن الصلت قال أبو حاتم: متروك، وجزم ابن الجوزي بوضعه؛ وقال ابن رجب: حديث لا يصح ورفعه غير متفق عليه فقد رواه الطيوري من طريق آخر موقوفًا على ابن عباس، وقال السخاوي: طرقه كلها واهية، وضعفوا أيضًا خبر الطبراني يوم الأربعاء يوم نحس مستمر، والآية قد علمت معناها، وجاء في الأخبار والآثار ما يشعر دحه ففي منهاج الحليمي، وشعب البيهقي أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعيد الزوال، وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أنه ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم وهو يوم خلق الله تعالى فيه النور فلذلك كان جمع من المشايخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه، واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان. والديلمي عن جابر مرفوعًا «من غرس الأشجار يوم الأربعاء وقال: سبحان الباعث الوارث أتته أكلها». نعم جاءت أخبار وآثار تشعر بخلاف ذلك، ففي الفردوس عن عائشة مرفوعًا «لولا أن تكره أمتي لأمرتها أن لا يسافروا يوم الأربعاء، وأحب الأيام إلى الشخوص فيها يوم الخميس» وهو غير معلوم الصحة عندي. وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس. وابن عدى. وتمام في فوائده عن أبي سعيد مرفوعًا «يوم السبت يوم مكر وخديعة. ويوم الأحد يوم غرس وبناء. ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق. ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس. ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء. ويوم الخميس يوم طلب الحوائج والدخول على السلطان. والجمعة يوم خطبة ونكاح» وتعقبه السخاوي بأن سنده ضعيف، وروي ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعًا، وخرجه الحاكم من طريقين آخرين «لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء» وفي بعض الآثار النهي عن قص الأظفار ويوم الأربعاء وأنه يورث البرص، وكره بعضهم عيادة المرضى فيه، وعليه قيل: وحكى عن بعضهم أنه قال لأخيه: أخرج معي في حاجة فقال: هو الأربعاء قال: فيه ولد يونس قال: لا جرم قد بانت له بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته حتى خلصه الله تعالى قال: وفيه ولد يوسف عليه السلام قال: فما أحسن ما فعل أخوته حتى طال حبسه وغربته قال: وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال: أجل لكن بعد أن زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر ونقل المناوي عن البحر أن أخباره عليه الصلاة والسلام عن نحوسة آخر أربعاء في الشهر من باب التطير ضرورة أنه ليس من الدين بل فعل الجاهلية ولا مبني على قول المنجمين أنه يوم عطارد وهو نحس مع النحوس سعد مع السعود فإنه قول باطل، ويجوز أن يكون من باب التخويف والتحذير أي احذروا ذلك اليوم لما نزل فيه من العذاب وكان فيه من الهلاك وجددوا فيه لله تعالى توبة خوفًا أن يلحقكم فيه بؤس كما وقع لمن قبلهم، وهذا كما قال حين أتى الحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين إلي غير ذلك، وحكى أيضًا عن بعضهم أنه قال: التطير مكروه كراهية شرعية إلا أن الشرع أباح لمن أصابه في آخر أربعاء شيء في مصالحه أن يدع التصرف فيه لا على جهة التطير واعتقاد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى بل على جهة اعتقاد إباحة الإمساك فيه لما كرهته النفس لا افتقاءًا للتطير ولكن إثباتًا للرخصة في التوقي فيه لمن يشاء مع وجوب اعتقاد أن شيئًا لا يضر شيئًا؛ ونقل عن الحليمي أنه قال: علمنا ببيان الشريعة أن من الأيام نحسًا، ويقابل النحس السعد وإذا ثبت الأول ثبت الثاني أيضًا، فالأيام منها نحس ومنها سعد كالأشخاص منهم شقي ومنهم سعيد، لكن زعم أن الأيام والكواكب تنحس أو تسعد باختيارها أوقاتًا وأشخاصًا باطل، والقول إن الكواكب قد تكون أسبابًا للحسن والقبيح والخير والشر والكل فعل الله تعالى وحده مما لا بأس به، ثم قال المناوي: والحاصل أن توقي الأربعاء على جهة الطيرة وظن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم إذ الأيام كلها لله تعالى لا تنفع ولا تضر بذاتها وبدون ذلك لا ضير ولا محذور فيه؛ ومن تطير حاقت به نحوسته، ومن أيقن بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل لم يؤثر فيه شيء من ذلك كما قيل: انتهى، وأقول كل الأيام سواء ولا اختصاص لذلك بيوم الأربعاء وما من ساعة من الساعات إلا وهي سعد على شخص نحس على آخر باعتبار ما يحدث الله تعالى فيها من الملائم والمنافر والخير والشر، فكل يوم من الأيام يتصف بالأمرين لاختلاف الاعتبار وإن استنحس يوم الأربعاء لوقوع حادث فيه فليستنحس كل يوم فما أولج الليل في النهار في الليل إلا لايلاد الحوادث، وقد قيل: وقد حكى أنه صبح ثمود العذاب يوم الأحد، وورد في الأثر ولا أظنه يصح «نعوذ بالله تعالى من يوم الأحد فإن له حدًا أحد من السيف» ولو صح فلعله في أحد مخصوص علم بالوحي ما يحدث فيه، وزعم بعضهم أن من المجرب الذي لم يخط قط أنه متى كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري الأحد وفعل فيه شيء لم يتم غير مسلم، وورد في الفردوس من حديث ابن مسعود خلق الله تعالى الأمراض يوم الثلاثاء، وفيه أنزل إبليس إلى الأرض، وفيه خلق جهنم، وفيه سلط الله تعالى ملك الموت على أرواح بني آدم. وفيه قتل قابيل هابيل، وفيه توفي موسى وهارون عليهم السلام، وفيه ابتلى أيوب الحديث، وهو إن صح لا يدل على نحوسته غايته أنه وقع فيه ما وقع وقد وقع فيه غير ذلك مما هو خير، ففي رواية مسلم خلق المنفق أي ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء وإذا تتبعت التواريخ وقفت على حوادث عظيمة في سائر الأيام، ويكفي في هذا الباب أن حادثة عاد استوعبت أيام الأسبوع فقد قال سبحانه: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] فإن كانت النحوسة لذلك فقل لي أي يوم من الأسبوع خلا منها؟ا ومثل أمر النحوسة فيما أرى أمر تخصيص كل يوم بعمل كما يزعمه كثير من الناس، ويذكرون في ذلك أبياتًا نسبها الحافظ الدمياطي لعليّ كرم الله تعالى وجهه وهي: ولا أظنها تصح، وقصارى ما أقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا دخل في ذلك لوقت ولا لغيره، نعم لبعض الأوقات شرف لا ينكر كيوم الجمعة وشهر رمضان وغير ذلك، ولبعضها عكس ذلك كالأوقات التي تكره فيها الصلاة لكن هذا أمر ومحل النزاع أمر فاحفظ ذاك، والله تعالى يتولى هداك، وقوله تعالى: .تفسير الآية رقم (20): {تَنزِعُ الناس} يجوز أن يكون صفة للريح وأن يكون حالا منها لأنها وصفت فقربت من المعرفة، وجوز أن يكون مستأنفًا، وجيء بالناس دون ضمير عادقيل: ليشمل ذكورهم وإناثهم والنزع القلع، روي أنهم دخلوا الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فقلعتهم الريح وصرعتهم موتى. {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} أي منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض، وقيل: شبهوا بأعجاز النخل وهي أصولها بلا فروع لأن الريح كانت تقلع رؤوسهم فتبقى أجسادًا وجثثًا بلا رؤوس، ويزيد هذا التشبيه حسنًا أنهم كانوا ذوي جثث عظام طوال، والنخل اسم جنس يذكر نظرًا للفظ كما هنا ويؤنث نظرًا للمعنى كما في قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 2] واعتبار كل في كل من الموضعين للفاصلة، والجملة التشبيهية حال من الناس وهي حال مقدرة، وقال الطبري: في الكلام حذف والتقدير فتركتهم كأنهم إلخ، فالكاف على ما في البحر في موضع نصب بالمحذوف وليس بذاك وقرأ أبو نهيك أعجز على وزن أفعل نحو ضبع وأضبع، وقوله تعالى: .تفسير الآية رقم (21): {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} تهويل لهما وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار مع ما تقدم، وقيل: إن الأول لما حاق بهم في الدنيا والثاني لما يحيق بهم في الآخرة، و{كَانَ} للمشاكلة، أو للدلالة على تحققه على عادته سبحانه في إخباره، وتعقب بأنه يأباه ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي. .تفسير الآية رقم (22): {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} الكلام فيه كالذي مرّ.
|